أقدم خبر يعرفه المؤرخون عن قبيلة مطير الحجازية النجدية هو ما جاء عند ابن فضل الله العُمَري أحمد بن يحيى الدمشقي المتوفى سنة 749 هـ، وهو خبر يُثبت قطعاً أنَّ مطيراً كانت في القرن الثامن قبيلةً منبسطةً في الحجاز، ويلزم من ذلك قطعاً أن تكون هذه القبيلة قد تجاوزت طَوْر النشوء والتكوُّن في القرنين السابقين ـ أي السابع فالسادس ـ، وسواءٌ علينا ـ هنا ـ إنْ كانت هذه القبيلة قد استبدلت اسمها الجديد (مطير) باسمٍ قديمٍ آخر (غطفان/فزارة...) أو كانت حلفاً بين عددٍ من القبائل القحطانية والعدنانية (!!)... فأيٌّ من القولَيْن كان صحيحاً ـ تنزُّلاً ـ فإنَّه لا يقع هذا ولا ذاك في ظروفٍ تاريخيةٍ أقصر من قرنين من الزمان ـ على الأقلِّ من التقديرـ.
فإنْ صحَّت هذه المقدمة ـ وهي صحيحة إن شاء الله ـ فعند ذلك يتعيَّن إعادة النظر في قولٍ يتناقله بعض المؤرخين فيربطون بين مطير الحجازية النجدية ومطير من بني الحكم بن سعد العشيرة:
أما مطير من بني الحكم بن سعد العشيرة فهي أسرةٌ علميةٌ تنتسب إلى جدِّها مطير بن عليّ بن عثمان بن أبي بكر الحكمي، وهذا الرجل مات حفيدُه المباشر محمد بن عيسى بن مطير سنة 744 هـ [ انظر ترجمته في: الدرر الكامنة]، فيظهر من هذا بجلاء أنَّ مطيراً الحكمي من أهل القرن السابع وقد يكون ممَّن أدرك الثامن. [ وفي خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبِّي ت 1111 هـ كلمةٌ عن مطير الحكمي وأسرته من بعده ومكانتهم في العلم واعتقاد الناس فيهم].
فهل يصحُّ بعد هذا أن ننسب القبيلة الحجازية ذات الذكر البعيد في القرن الثامن إلى هذا الرجل؟! والأمر في هذا بيّنٌ عند أدنى نظر وأيسر محاكمة.
وأقدم من وجدْتُه رابطاً بين مطير الحجازية ومطير الحكمي هو صاحب إمتاع السامر في جزئه الأول ص 328 وفي جزئه الآخر ص 125، واقتفاه عدد من الباحثين من دون تحقيق للمسألة. [ ومن عجائب صاحب الإمتاع أنَّه جعل في جزئه الأول ص 196مطيراً من بني الحكم ثم جعلهم ينتقلون إلى نجد فيحالفون بني عبد الله بن غطفان، غير أنَّه نسِي فقال في جزئه الآخر ص 125 إنَّ مطيراً ابن عبد الله ( العبادلة ) بن الحكم بن سعد العشيرة !! ]
ومنشأ الوهم والتخليط في هذه المقولة أنَّ القائلين بها لم يحقِّقوا زمن مطير الحكمي المذكور، فبعضهم ـ كصاحب إمتاع السامر ـ يقول: مطير بن الحكم بن سعد العشيرة، وهذا يجعل قبيلة مطير قبل الإسلام بمئات السنين!! وبعضهم يجعل مطيراً من بني الحكم بن سعد العشيرة لكنه يظنُّ أنَّها قبيلة ذات عديد ضخم ولها عمق تاريخي يتناسب مع العمق التاريخي لمطير الحجازية بحيث يصح نسبة هذه إلى تلك، ومن هؤلاء عاتق البلادي إذ يقول: [ مطير لها اسم يرد في كتب المتقدمين وأهل اليمن خاصة، نقل صاحب كتاب معجم قبائل العرب عن الزبيدي في تاج العروس قوله: ولبني حكم ـ من سعد العشيرة ـ بقية كثيرة باليمن منهم بنو مطير]. انظر: معجم قبائل الحجاز ـ 499، وهذا القول ينطوي على أخطاء جمة؛ فهو يقول إنَّ مطيراً مذكورةٌ في كتب المتقدمين ثم يستشهد بكلام الزبيدي، والزبيدي توفي سنة 1205 هـ!! ثم إنَّ الزبيدي قد أوضح أنَّ بني مطير الذين ينتسبون إلى الحكم بن سعد العشيرة هم أبناء مطير بن علي بن عثمان بن أبي بكر الحكمي الذي مات حفيده المباشر محمد بن عيسى بن مطير في سنة 744 هـ !! انظر: تاج العروس ـ مطر.[ وأقول: إنَّ الزبيدي يشرح في تاج العروس كتابَ الفيروزأبادي المتوفى سنة 817 هـ وقد كتب الفيروزأبادي كتابه هذا في زبيد باليمن ولم يذكر شيئاً عن بني مطير الحكميين مع أنَّه كان يشير إلى القبائل والأسر في عصره والعصور السابقة!!، كما أنَّ الملك الأشرف الرسولي المتوفى سنة 696 هـ كتب كتابه طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب وعرض فيه للقبائل الحادثة والمنتشرة في اليمن في عصره ولم يذكر مطيراً الحكمية!! ]
ومن الأخطاء الغليظة الخطأ الذي هوى فيه مصحّحو الجزء الثاني من إمتاع السامر، فقد قالوا في تصحيحهم (!!): [ علماً أنَّ هناك فرعاً من قبيلة بني الحكم بن سعد العشيرة يقال لهم مطير، ورد ذكرها في مراجع عدة مثل صفة بلاد العرب للهَمْداني ]. انظر: 125. وهذا من أعجب التعليقات إذ لم يصححوا الخطأ وإنما زادوه خطأً والتباساً؛ فالهمداني ذكر آل مطير في ترج قرب بيشة لكنه لم ينسبهم إلى قبيلة معيّنة لا بني الحكم ولا غيرهم!! فكيف جاز هذا على المصححين؟!
خلاصة قولي في هذه المسألة: إنَّ التحقيق التاريخي يُبطل القول بنسبةٍ ما بين مطير الحجازية النجدية وآل مطير من بني الحكم بن سعد العشيرة.